هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ... والدكتورة نورة

” الساخر كوم ”

لقد ربط الإسلام بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وظاهرة السلوك غير السوي للأفراد في المجتمع، وظهر هذا الارتباط في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: “مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قومٍ استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نَجوءا وَنَجوءا جميعاً”.
وهكذا نجد أن سيد البشرية الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وسلم يشبه حال المجتمع كسفينة، فأصحاب المنكرات في أسفلها ويقومون بخرقها بمنكراتهم، والقسم الثاني من المجتمع في أعلى السفينة هم أهل الصلاح فإن تركوا الإنكار على أصحاب المنكرات غرقوا جميعاً، وإن أنكروا نجوا جميعاً. فالرسول صلى الله عليه وسلم جعلهم أصحاب العلو لمكانتهم فعليهم المسؤولية الكبرى في النجاة والإصلاح، فلا يكفي صلاحهم بأنفسهم فهو لا ينجيهم من الغرق.. وهذه سنة من سنن الله في الأرض. والذين يقومون بمهمة مقاومة المنكر وأهله والعمل على إضعاف شأنهم هم الغرباء في وقتنا المعاصر ولكنهم الطائفة المنصورة إن شاء الله، وهم المحققون عملياً لعبودية الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..
والمنكر الذي ينبغي ويجب أن يُنهى عنه من وجهة نظر شرعية هو كل ما قبحه الشرع وكرهه وورد النهي عنه في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وعلى هذا الأساس يصبح الأمر بالمعروف هو تنبيه الآخرين وإرشادهم إلى الالتزام بالمبادئ والتعاليم الدينية. لهذا فوجود (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) إن كان ضرورياً منذ عهد الخليفة عمر بن الخطاب، فإنه في هذا العصر بما فيه من خروج عن التعاليم الدينية والشرعية لدى البعض هو أكثر من ضروري.. لتحقيق الأمن الاجتماعي تكاملاً مع مهمة الشرطة والجيش..
ووجودها لا يرتبط بعدم الثقة في سلوك الرجال والنساء ولكنه يجيء محافظاً على أمن الأفراد والجماعات من سلوك المنحرفين مهما كانت درجة انحرافهم عن معتقدات وقيم ومعايير المجتمع..
في بعض المجتمعات هناك ما يطلق عليه (شرطة الآداب) وهي شريحة مؤسساتية لتحقيق الأمن للأفراد وتوجد حتى في المجتمعات غير المسلمة.. فالسلوك البشري ليس مثالياً لدى الجميع وإلاّ لما وجدت الأنظمة والقوانين لمحاسبة المنحرفين والمجرمين في جميع المجتمعات..
وإذا كانت المجتمعات المتقدمة صناعياً وتكنولوجياً تستخدم (الآلات التصويرية والتلفزيونية) وسيلة من وسائل (الضبط الاجتماعي) لتصوير المخالفين والخارجين عن قوانين المجتمع فيما يخص الأجهزة والمجالات الاقتصادية والسياسية والتجارية والصناعية، ولهذا نجد أن الشركات والبنوك والفنادق الكبيرة والمعامل والمصانع والمطارات ومحطات القطار، بل وحتى المستشفيات والأسواق التجارية قد وضعت عدسات تصوير تلفزيونية في مداخل بناياتها لتصوير الداخلين إليها والخارجين منها، لرصد كافة تحركاتهم داخل ممراتها ودهاليزها ومكاتبها الرئيسة نظراً لأهميتها ولما تحتوي عليه من أموال أو وثائق أو أشخاص مهمين في مجال عملهم..
جميع هذه الأجهزة تم توزيعها في هذه المؤسسات لضبط سلوك الناس وكآلية مساعدة في تطبيق القوانين في هذه الكيانات التجارية والصناعية والسياسية والاجتماعية لأن الأجهزة البشرية (الأمنية) لا تكفي لمراقبة المخالفين..
فهل هذه الأجهزة يمكن أن نطلق عليها أنها تتدخل في أمور الناس وتعتسف أمنهم وأسرارهم الشخصية؟!
وهل وجودها في تلك المجتمعات، بل ولدينا هنا كما هي في (السوبرماركت) نوع من (عدم الثقة) في سلوك الأفراد؟؟ أم أنه نوع مهم من وسائل حماية الأفراد وتوفير الأمن الاجتماعي لهم من الخارجين عن السلوك السوي مهما اتفقنا أو اختلف بعضنا في تحديد ما السلوك المنحرف.. فمرجعيتنا كل ما يخالف الشرع والسنة النبوية.. والأمر بكل ما هو خير وصلاح للأفراد والجماعات مثل (الحرص على إغلاق المتاجر لأداء الصلاة).. فهي عمود الدين.. وما يتضمن حفظ الأمن النفسي والاجتماعي للمجتمع..
من كل ما سبق أود التأكيد على أهمية دور (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) في مجتمعنا، حتى لو خلت بقية المجتمعات المسلمة منها.. فذاك شأنهم.. ولهذا ضروري جداً احتواء هذا الدور وكيفية الارتقاء بأداء أفراده، وعدم تضخيم ثغرات هذا الأداء لدى بعضهم، فهم بشر مثلنا قد يجتهدون فيخطئون، وكما يقصر الموظف، والمعلم، والطبيب مثلاً فهل يتم (تعميم) هذا التقصير على جميع الموظفين وجميع المعلمين وجميع الأطباء؟؟
وهل ستكمن الحلول في إلغاء الدوائر الحكومية وإلغاء المدارس وإلغاء المستشفيات؟؟
رجال الهيئة هم جزء من المناخ العام للمجتمع، وجزء (مهم) من آلية الحفاظ على أمنه، تماماً مثل الشرطة والجيش.. ولهذا فلا بد من توفير القدر نفسه من هيكلة إدارية لجهازهم، بحيث يتم وفقها تصنيف وتحديد المسؤولية الإدارية والتنفيذية لكل مُنتسب إليها، ومجال تأديته لدوره، وتمييزهم (بزي رسمي) يمنع تدخل الآخرين (والادعاء بأنهم من الهيئة) ولابد من تزويدهم بوسائل اتصال لا سلكية، ووسائل دفاع تحميهم من المجرمين والمنحرفين عندما تتم مداهمة أوكارهم ومخابئ فسادهم.
وكما يتم تدريب النساء غير السعوديات القادمات من خارج الوطن للعمل (مضيفات على الطائرات) لدينا هنا والصرف عليهن وتأمين (لباسهن الرسمي)!! فإن الأحق بالتدريب المهني والإداري على مهمة القيام (بالضبط الاجتماعي) هم رجال الهيئة الكرام والمسؤولون عن الجولات الميدانية.. وفق آليات التدريب المعاصرة وكيفية التعامل مع المواقف والأشخاص بإعلاء (الموعظة الحسنة) ثم اللجوء إلى المحاسبة الشرعية بما يتفق ومنظومة التشريع الرباني والسنة النبوية.. وهذا الاقتراح ليس إنقاصاً لدورهم الحالي جزاهم الله خيراً.
إن (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي للمجتمع المسلم وكلما تعزز دورها جزاءً ومكافأة، وبالمقابل محاسبة عند حدوث خلل في أداء بعض منسوبيها – كما هو الحال مع بقية موظفي الدولة – فإن هذا سيحقق التكامل الأمني والاجتماعي للمجتمع.
**********
المقال للدكتورة / نورة السعد
جريدة الرياض

التاريخ: 3/26/2002 م

سهيل اليماني

Archived By: Crazy SEO .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مقهى التجلي ( 17 ) / توبة مثقف !

مقهى التجلي (16) / صفحة من صمت !