الجنّة إلى اليسار قليلا ..!!
” الساخر كوم ”
أنت جميل بذاتك ..
قبيح فيما عدا ذلك ..
أنت أنت حيث أنت ..
لا تذهب / لا تغادر / لا تسافر / لا تمت …
ولا تأتِ أيضا ..
وإن ناداك وهمٌ يجوبُ أطراف المدينةِ ويتسكعُ في أزقتها الخَلفية ..
يملأ الليل أصباغاً ، ويغسل وجه النهار بماءٍ مالح / فاسد !
ثم إني …!
.//.
حين يبدأ النهار في الاحتضار ، أكون في انتظار اتصال منه ، فهو كائن ليلي في الغالب مع أنه أسرّ لي مراراً أنه لا يخاف الشمس ولكنه يحترمها فقط !
أتصل بي كما توقعت ، ثم قال أنا ذاهب إلى ” دنيا السعادة ” وأريدك أن تذهب معي ..
هكذا دون مقدمات يقرر أحدهم أنه ذاهب إلى دنيا السعادة !
وهو واثق أنه سيصل ،وهذا يزيد الأمر تعقيداً فالكل يبحث عن سعادة الدنيا أو دنيا السعادة لكن الطريق إليها ليس واضح المعالم للدرجة التي تجعل من هذا الصديق واثقاً أن الأمر لن ينتهي به على رصيف قَذِر في دنيا الشقاء !
الأمر مغرٍ فلا أحد يرفض الذهاب إلى دنيا السعادة بحجة أنه مشغول بإصلاح مكيف سيارته مثلا .. !
بل إن الأمر هو انتقال من النقيض إلى النقيض ، من الطرف الأكثر بؤساً وشقاءً وهو قيادة سيارة في الظهران دون مكيف للهواء في شهر أغسطس ، إلى دنيا السعادة !
وافقت ولكن دون اندفاع فأنا أخاف الفرح والسعادة وأتحاشا حتى الحديث عنهما ، ولإن كان الأمر مغرياً لاعتبارات معينة ، إلا أن وجود عبارة مثل ” دنيا السعادة ” كفيلة بأن تجعل الأمر مرعباً مخيفاً لاعتبارات أخرى أكثر وجاهة !
توقفت بنا سيارته المهترئة التي يميزها عن سيارتي أن مكيف الهواء فيها يعمل بشكل جيد وربما كان الشيء الوحيد الذي يؤدي دوره كما ينبغي في تلك السيارة !
سألته عن سبب توقفه فأخبرني أننا وصلنا إلى دنيا السعادة !
هكذا بكل بساطه ..
كان الطريق أقصر مما تخيلت !
كنت أهيء نفسي لرؤية هذا المخلوق الغريب الذي يسمونه السعادة ، تخيلته كائن أسطوري كالغول والعنقاء ، والخل الوفي !
كنت أتساءل ..
كيف سيدب ذلك الشعور بالسعادة في أوصالي ؟!
هل سأصبح سعيداً بمجرد ان تطأ قدماي الأرض !
أم أن هناك طقوساً معينة لابد من ممارستها لتسري في عروقي تلك الكيمياء التي لاتوجد إلا في دنيا السعادة ؟!
كان المطلوب مني فقط لأصل ذلك المكان /الحلم هو أن أنزل من سيارته واسير بضع خطوات ،
كان ثمناً قليلا جداً وقد دفعت من قبل “أثماناً” أعلى بكثير من مجرد النزول من سيارة والسير خطوات معدودة لكي أصل إلى ذلك الأكسير أو تلك الكيمياء التي تجعل مني أحد سكان ” دنيا السعادة ” ، وكنت في كل مرة أدفع الثمن دون أن أحصل على شيء ، بل أني أخسر إضافة للثمن بعض ملحي الذي تملّه عيناي !
والثمن هذه المرّة ليس جرحاً ولا رحيلا ولا خسارة قلب ..
إنه فقط بضع خطوات معدودات .. !
دفعت الثمن ومشيت تلك الخطى ..
لم أشعر بأي شيء مختلف ، ربما شعرت بشيء من الأحباط لأني لم أصبح سعيداً فجأة ، كما كنت أتوقع / أحلم!
التفت إلى صديقي وقلت له إني أدرك الآن أن الأمور نسبية أكثر من أي وقت مضى !
فهذا المكان الذي تعتقد أنه دنيا السعادة لم أشعر فيه إلا بالإحباط وأرجو ألا تقنعني أن الإحباط هو أحد أعراض السعادة ، لأنه لو كان كذلك لكنت أسعد كائن يتحرك على هذا الكوكب !
أما إن كانت السعادة هي ما أشعر به حالياً فإن الباحثين عن السعادة ليسوا إلا حمقى !
لم يجب ، ولكنه رفع رأسه لينظر إلى لوحه لكافتيريا صغيرة كتب عليها ” بوفَيه دنيا السعادة ” !!
وتقرأ من بعد ” بوفيه السعادة ” فقط ، لأن كلمة ” دنيا ” كتبت بخط صغير جداً ربما احتقاراً لهذه المفردة ، ولِما تمثله !
إحباط آخر لم أكن أتمناه ولا أتوقعه ، لم تكن دنيا السعادة سوى كافتريا أراد ان يتناول عشاؤه فيها !
كمحبط بائس تبعته إلى داخل البوفَيه ، التي كانت أشد اهتراءً من سيارته وكان الجو بداخلها خانقاً أكثر من سيارتي !
وكان العامل البنغالي ينظف زجاج المحل القذر ، ألتفت إليه صديقي وقال له لامبرر لتنظيف زجاج المحل فالناس لا تأتي إلى هنا من أجل النظافة ولكن لأن “الكبدة ” التي تصنعونها لذيذة جدا ، ولو أن الأمر عائد للنظافة لما فكر أحد في الدخول إلى هنا !
لم يقتنع العامل في وجهة نظره وتجاهله تماما واستمر في التنظيف ..!
كان الازحام شديداً في الداخل واعتقد انه أغلبهم مثلي أتوا باحثين عن السعادة وأقلهم مثل صديقي أتوا بحثاً عن الكبدة !
وهذا أمر طبيعي فالحمقى يشكلون أكثرية على هذا الكوكب !
كانت قائمة الأكل مكتوبة على ورقة ملصقة على زجاج مليء ببصمات الزبائن الباحثين عن أشياء تنقصهم ..
تأملتها ووجدت شيئاً أسمه ” مخلوط ” فسألت العامل عن مكونات هذا ” المخلوط ” فقال إنها كبدة بالبيض والجبن وأشياء أخرى كثيرة لم أتمكن من حفظ اسمائها !
ألتفت إلى صديقي وقلت ربما كانت السعادة شيء شبيه بهذا ، ولذلك فإني لن اتناوله ، وسأكتفي بساندويتش كبدة دون إضافات !
إنتهت حفلة دنيا السعادة ..
ولكني لم أكن سعيداً بما يكفي ، ..
تذكرت مكاناً آخر ربما كان علي أن أقصده أولاً ..
فأنا لازلت أعتقد .. أن الجنّة إلى اليسار قليلا.. !!
وفي الصبح تموت اللغة ، وفي المساء تموت باقي الأشياء .. وما بينهما حرف لم تتعرف على ملامحة شفاه من قبل ..
حرف كأنه الجزء الأيسر من أعمارنا ، حيث الأشياء الأكثر خراباً !
.//.
Archived By: Crazy SEO .
تعليقات
إرسال تعليق